أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، في 6 نوفمبر الجاري، تكليف قائد ميليشيا الأمن المركزي، عماد الطرابلسي، في مهام وزير الداخلية في حكومته، في خطوة هدفت لتعزيز سيطرة الدبيبة على المشهد الأمني.
تفسيرات متعددة:
تباينت التفسيرات بشأن قرار الدبيبة، بتكليف الطرابلسي وزيراً للداخلية بحكومته، وذلك بعد نحو شهر ونصف فقط من تعيين الأخير وكيلاً لوزارة الداخلية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- مكافأة الطرابلسي لولائه: ربطت بعض التقديرات بين تعيين الطرابلسي وزيراً للداخلية في حكومة الدبيبة بالدعم الذي قدمه الأول للأخير في صراعه مع رئيس حكومة الاستقرار المكلفة من قبل البرلمان، فتحي باشاغا، حيث لعبت ميليشيا الطرابلس دوراً حاسماً في منع دخول باشاغا إلى العاصمة الليبية.
وكان الدبيبة أقال في يوليو الماضي، وزير الداخلية في حكومته، اللواء خالد مازن، في أعقاب الاشتباكات التي شهدتها طرابلس على خليفة محاولة باشاغا دخولها لتسلم السلطة، حيث أسند الدبيبة آنذاك مهام تسيير وزارة الداخلية لوزير الحكم المحلي بحكومته، بدر الدين التومي، فيما تم تكليف الطرابلسي بمنصب وكيل عام وزارة الداخلية، قبل أن يقرر الدبيبة تعيينه وزيراً للداخلية.
2- تفتيت قوة الزنتان: رجحت تقديرات أخرى أن تعكس هذه الخطوة مساعي الدبيبة لتفتيت قوة الزنتان، التي يقودها أسامة الجويلي، والذي يدعم بقوة حكومة باشاغا، لاسيما أن الطرابلس ينتمي لمدينة الزنتان أيضاً، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تكون هناك تطلعات لدى الدبيبة لتعزيز تحالفاته بميليشيات غرب ليبيا، وإضعاف قوات الزنتان الموالية لباشاغا.
3- شرعنة بعض الميليشيات: تجري محاولات حثيثة من المجتمع الدولي لتفكيك الميليشيات الليبية خلال الفترة الأخيرة، وهو ما انعكس في اجتماعات القمة العربية الأخيرة، واجتماعات لندن بشأن الملف الليبي، ناهيك عن قرارات مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، والتي ركزت جميعها على المضي قدماً في تفعيل المسار العسكري، والذي ينطوي أحد أبعاده على ضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة الليبية. وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تعكس خطوة تكليف الطرابلسي بمهام وزير الداخلية أحد أبعاد تحركات الدبيبة الاستباقية لإضفاء الشرعية على الميليشيات الموالية له ودمجها في المؤسسات الرسمية للدولة.
4- إدارة المرحلة الانتقالية: يسعى الدبيبة للترويج خارجياً لقدرته على فرض الأمن في غرب ليبيا وإحكام سيطرته على المشهد الأمني هناك، ومن ثم استعداد حكومته للإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حال انعقادها، وتصدير الإشكالية لمجلسي النواب والدولة، باعتبرهما مسؤولين عن القاعدة الدستورية التي يفترض أن تنظم هذه الاستحقاقات، وهو ما انعكس في تصريحات الدبيبة، في 5 نوفمبر الجاري، والتي وجه خلالها انتقادات لمجلس النوب وحمله مسؤولية فشل الانتخابات السابقة، ومتهماً البرلمان بمحاولة خلط الأوراق وتغيير الحكومة من أجل تعطيل الانتخابات.
كما لوّح الدبيبة كذلك، في 5 نوفمبر الجاري، بقدرة حكومته على تأمين الانتخابات المقبلة في البلاد، موجهاً الشكر إلى وزارة الداخلية بحكومته، وذلك بعد مشاركتها في محاكاة تأمين العملية الانتخابية، والتي تضمنت تأمين مراكز الاقتراع، والتعامل مع أي أعمال شغب داخل مراكز الإقتراع وخارجها، فضلاً عن محاكاة طريقة التصويت وفرز الأصوات ونقل صناديق الاقتراع، وذلك بحضور المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا، عبد الله باتيلي.
تحركات متعددة:
يأتي قرار الدبيبة بتكلييف الطرابلسي بمهام وزير الداخلية بحكومته في إطار سعي الدبيبة لتعزيز نفوذه الداخلي، وإضعاف خصومه، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- تعزيز السيطرة الأمنية: قام الدبيبة الأسبوع الماضي بتعزيز انتشار القوات الموالية له في طرابلس، عن طريق نشرها بمحيط المرافق الحيوية، فضلاً عن تزويد القوات الجوية الموالية له بطائرات مسيرة تركية، بالتزامن مع تسيير قوة مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة الدبيبة لدوريات متحركة جنوب العاصمة.
وألمح المتحدث باسم هذه القوة، سليم قشوط، إلى أن ثمة بوادر حرب تلوح في الأفق، لا سيما في ظل التدريبات الحالية بالطيران المسيّر، بالإضافة للتدريبات العسكرية في منطقة عين زارة، ناهيك عن الرتل المسلح لنحو 200 سيارة، والتي انتقلت من مصراتة إلى طرابلس.
2- تحريض الدبيبة ضد البرلمان: يستمر الدبيبة في مساعيه للانتقاص من شعبية مجلس النواب الليبي، وذلك عبر قيامه خلال الاسابيع الأخيرة بزيادة المرتبات لعدد من القطاعات دون غيرها، وهو ما أحدث فجوة مرتبات، مما عكس مساعي مكثفة للدبيبة إلى تعزيز شعبيته الداخلية، وإثارة الداخل الليبي ضد مجلس النواب، وتحميله رفض زيادة المرتبات، خاصة في ظل مناقشة المجلس حالياً لقانون توحيد المرتبات بغية تحقيق العدالة الاجتماعية.
3- استقطاب مجلس الدولة: صوّت أعضاء مجلس الدولة الليبي، قبل أيام قليلة، على مواد القاعدة الدستورية، والتي تضمنت رفض ترشح العسكريين للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم يمر عام على تقديم الاستقالة من مناصبهم، فضلاً عن تصويت المجلس على رفض ترشح مزدوجي الجنسية، بالإضافة إلى استقالة كل من يشغل منصب رفيع، مدني أو عسكري.
وفي هذا السياق، أعرب الدبيبة عن ترحيبة بتصويت أعضاء مجلس النواب على القاعدة الدستورية، وهو ما يرجع إلى محاولته استقطاب المجلس بعيداً عن أي تفاهمات مع مجلس النواب، لا سيما في ظل انزعاج الدبيبة من التوافقات التي كان رئيسي صالح والمشري قد توصلا إليها في المغرب.
انعكاسات محتملة:
يلاحظ أن هناك جملة من الانعكسات التي ربما تفرزها التطورات السابقة على مسارات الأزمة الليبية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1- تصاعد وتيرة التنافس بشأن ملف الطاقة: أشارت تقارير يونانية إلى وجود مباحثات راهنة بين أثينا وشرق ليبيا للتوقيع على اتفاقية ربط للطاقة بين البلدين، وذلك بدعم أمريكي، وهو ما عبّر عنه صراحة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية. ويجيء ذلك التطور بعد أسابيع قليلة من التحركات التركية الأخيرة في غرب ليبيا، وتوقيع مذكرة تفاهم مع حكومة الدبيبة تسمح لأنقرة بالتنقيب عن النفط والغاز الليبيين.
وسوف تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة وتيرة التنافس الدولي والإقليمي في ليبيا، لا سيما مع تصريح رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، فرحات بن قدارة، بإمكانية بناء خط أنابيب للغاز يمكن أن يشكل ثقلاً في مواجهة اتفاقيات النفط والغاز التي تم توقيعها مؤخراً بين أنقرة وحكومة الدبيبة.
2- محاولة صياغة تفاهمات جديدة: تسعى تركيا لاستضافة جولة جديدة من المباحثات بين رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، بعد التفاهمات الأخيرة بينهما خلال الاجتماعات التي عُقدت بالعاصمة المغربية الرباط، في أكتوبر 2022، حيث أشارت هذه التقديرات إلى أن صالح يستعد لزيارة أنقرة خلال الأيام المقبلة، بعد الاجتماعات التي عقدها مؤخراً في القاهرة.
وتتحرك تركيا لصياغة تفاهمات داخلية موسعة، تتضمن صالح والمشري، والتي يرجح أن تتضمن محاولات من أنقرة للتوصل إلى صيغة توافقية تضمن استمرارية الدبيبة في المشهد، والحيلولة دون دفع مجلسي النواب والدولة نحو تشكيل حكومة جديدة، بيد أنه حتى الآن لا توجد أي مؤشرات على نجاح التحركات التركية الراهنة.
وفي الختام، تكشف التطورات السابقة عن سعي الديببة إلى تعزيز بقائه في السلطة، وتأكيد قدرته على إدارة المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الإشراف على الانتخابات القادمة، كما أن تركيا تسعى إلى دعم بقاء الدبيبة في السلطة، وتجنب أي محاولات لإقالته عبر اتفاق مجلسي النواب والدولة على حكومة بديلة لحكومته.